RSS

Place 728 x 90 Ad Here

مقالات ساخنة





17 مايو، 2012

لايتوبون ولا يتعلمون


صحيفة الشرق القطريه الخميس 26 جمادى الآخر 1433 – 17 مايو 2012
لايتوبون ولا يتعلمون – فهمي هويدي

بحثت عن سبب مقنع لتدخل مجلس الشعب في الشأن القضائي وسعيه لإعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا فلم أجد.
وإزاء هذه الحيرة فقد كدت أميل إلى أن أسبابا غير بريئة وراء اتجاه لجنة الاقتراحات بالمجلس لإعداد مشروع قانون بهذا الخصوص.

أتحدث عن الزوبعة التي ثارت خلال الأيام الثلاثة الأخيرة بسبب موافقة لجنة المقترحات بالمجلس على اقتراح مشروع بقانون قدمه أحد النواب السلفيين، لإعادة تشكيل المحكمة العليا وفقا لمواصفات جديدة.

وكانت الحجة الأساسية التي استند إليها الاقتراح أن رئيس المحكمة العليا الحالي ليس أقدم القضاة، ولكنه معين من قبل رئيس الجمهورية الأمر الذي يُجرِّح حياده «ويجعل رئيس أكبر محكمة في البلاد تابعا لرئيس الجمهورية»، على حد تعبير صاحب مشروع التعديل النائب حسني أبوالعزم.

ليس لدى كلام في تفاصيل المشروع والتشكيل الذي يقترحه للمحكمة الدستورية، ولكن لي أربع ملاحظات حول الفكرة من أساسها، وتوقيت وسياق إطلاقها.

ذلك أن تعيين رئيس المحكمة من قبل رئيس الجمهورية يعد ثغرة لا ريب، لكن مبلغ علمي أن مرسوما صدر من المجلس العسكري منذ عام تقريبا عالج هذه الثغرة،
إذ قرر أن رئيس المحكمة تختاره الجمعية العمومية من بين أقدم ثلاثة أعضاء بها. ويصدر التعيين بعد ذلك بقرار من رئيس الجمهورية. وبصدور المرسوم تنتفي المشكلة التي ذكرت في تسويغ إعادة تشكيل المحكمة من جديد.

الملحوظة الثانية أن طرح الفكرة غير مفهوم في الوقت الراهن، أعني قبل أسابيع من إعداد الدستور الجديد وقبل أيام معدودة من انتخابات الرئاسة، ذلك أن الخرائط يمكن أن تتغير سواء لجهة تحديد سلطات الرئيس أو لجهة تشكيل هيئة المحكمة الدستورية والمحاكم الأخرى.
في حين أن الإقدام على تلك الخطوة حاليا من شأنه أن يربك المحاكم، فضلا عما قد يثيره ذلك من لغط.

الملحوظة الثالثة أنني لم أفهم وجه الاستعجال في الموضوع، الذي لا أجد له مكانا في الأولويات التي ينبغي أن تهتدي بها لجان المجلس في ترتيب أعمالها.
ذلك أنني أزعم أن أمام لجنة الاقتراحات والشكاوى قائمة طويلة من العناوين وثيقة الصلة بمصالح الناس وأوجه معاناتهم، كان ينبغي الالتفات إليها والانشغال بها قبل أن تصل إلى تشكيل المحكمة الدستورية العليا، الذي صوَّب مرسوم المجلس العسكري طريقة اختيار رئيسها.

الملاحظة الرابعة والأهم هي أنني لا أرى من حيث المبدأ مصلحة أو حكمة في تدخل السلطة التشريعية في الشأن القضائي، ولا أخفي أن ذلك التدخل يفتح الباب لشرور كثيرة وخطيرة، أقلها إهدارا مبدأ الفصل بين السلطات.
لم يقل أحد إن القضاة ملائكة ولا أنهم منزهون عن الهوى، لكننا لابد أن نعترف بأن النزاهة غالبة على هذا المرفق ومتأصلة فيه، الأمر الذي يفرض على الغيورين أن يحافظوا على استقلاله وأن يحترموا حرمته، لا أن يتحرشوا به ويدَّسون أنوفهم في شؤونه.

إذا كان مبرر إعادة تشكيل هيئة المحكمة لم يعد قائما، ولا محل للاستعجال فيه، ثم إنه لا يتمتع بأية أولوية، ناهيك عما يمثله ذلك من عدوان على السلطة القضائية، فما الذي يبرر إذن إعداد مشروع القانون وتمريره من خلال لجنة المقترحات والشكاوى؟

حين نحتار في الإجابة فإن ذلك ينقلنا من احتمال سوء التدبير ويدفعنا إلى التفكير في احتمال سوء القصد. وأكرر أنني أتحدث عن احتمال وليس عن يقين.
في هذا الصدد لا أستطيع أن أتجاهل «الصرخة» الغاضبة التي أطلقها المستشار طارق البشري في مقالته التي نشرتها جريدة «الشروق» يوم الجمعة 11/5، وحذر فيها من تدخل السلطة التشريعية في الشأن القضائيمذكرا بأن المحكمة الدستورية العليا التي يراد إعادة تشكيلها محال إليها قضيتان تخصان مجلس الشعب،
إحداهما تتعلق بعدم قانونية تشكيله،
والثانية تدعي عدم دستورية التعديل الذي أدخله المجلس على قانون مباشرة الحقوق السياسية والمتعلق بعزل فلول النظام السابق.

هذه الإشارة تلمح إلى أن تحريك مشروع قانون إعادة تشكيل المحكمة الدستورية لا تستبعد فيه مسألة تصفية الحسابات، كأن الهيئة التشريعية تهدد إحدى هيئات السلطة القضائية بالمشروع الجديد، في الوقت الذي تنظر فيه تلك الهيئة (المحكمة الدستورية) دعوى هي خصم فيها.
وهو أمر إذا صح فإنه يضاف إلى سلسلة الأخطاء التي وقع فيها المجلس، الذي تورط في سلسلة من الأزمات مرة مع المجلس العسكري ومرة مع الحكومة ومرة مع القوى السياسية المختلفة (في تشكيل لجنة وضع الدستور).

أدري أن المجلس يسعى جاهدا لكي يتبنى قضايا المجتمع، لكن الأخطاء التي يقع فيها تشوه صورته وتسحب الكثير من رصيده.

وإذا كنت قد دعوت أكثر من مرة إلى احتمال الأخطاء واغتفارها لأن ذلك هو السبيل الوحيد للتعلم، إلا أنني لاحظت أن الأخطاء تتوالى ولكن الخطائين لا يتوبون ولا يتعلمون.
.......................

16 مايو، 2012

يقاومون بأمعائهم الخاويه


صحيفة الشرق القطريه الأربعاء 25 جمادى الآخر 1433 – 16 مايو 2012
يقاومون بأمعائهم الخاويه – فهمي هويدي

المشهد كله عبثي وغير قابل للتصديق.
إذ بعدما سدت الأبواب في وجوههم، أصبح الفلسطينيون يقاومون الاحتلال بأمعائهم، وأصبح المسجونون هم الذين يسعون إلى تحرير الطلقاء.
بل إن تحسين أوضاع السجناء وهم وراء القضبان تحول إلى «إنجاز وطني» يتباهى به البعض!

أتحدث عن إضراب نحو ألفي سجين فلسطيني عن الطعام، احتجاجا على الأوضاع المزرية وغير الإنسانية التي يعيشون في ظلها داخل السجون الإسرائيلية.
والتي تشمل قضاء بعضهم 12 عاما في زنازين انفرادية قاسية.
وحرمان معتقلي غزة من زيارات أهليهم منذ خمس سنوات.
مع حرمان الجميع من الكتب ومن مواصلة التعليم.
إضافة إلى احتجاز البعض الآخر بدعوى الاعتقال الإداري، الذي بمقتضاه يلقى الفلسطيني في السجن بلا تهمة وبلا أجل محدد، وبلا محام بطبيعة الحال.

تضامنت «العدالة الإسرائيلية» مع جلاديهم، وشغلت السلطة في رام الله بالتنسيق الأمني مع الإسرائيليين بأكثر مما انشغلت بالدفاع عنهم.
ومن دون كل البشر، تسترت أغلب المنظمات الحقوقية الدولية على الانتهاك اليومي والوحشي لحقوق الإنسان الفلسطيني. وانكفأت أكثر البلدان العربية ــ إن لم يكن كلها ــ على ذواتها ومشكلاتها الداخلية.

وبعدما كبلت منظمات المقاومة الفلسطينية حتى ضاق كثيرا هامش حركتها في الداخل والخارج، لم يجد الأسرى الفلسطينيون مفرا من الإضراب عن الطعام، وتحويل أمعائهم وأجسامهم إلى سلاح للمقاومة!

اختار الفلسطينيون أن يدافعوا عن إنسانيتهم ببطونهم الخاوية، نجح اثنان منهم، هما خضر عدنان وهناء شلبي في فضح الإسرائيليين وإجبارهم على إطلاق سراحهم.
ولم يتحقق ذلك إلا بعد أن أضرب الأول عن الطعام طوال 66 يوما،
في حين أضربت الثانية مدة خمسين يوما.

بعدها دخل في الإضراب بلال زياب وثائر حلاحله اللذان اقترب إضرابهما من اليوم الثمانين، وهما تحت الاعتقال..
وانضم إليهما حسن الصفدي الذي ظل مضربا طوال سبعين يوما، حتى قام الإسرائيليون بتكبيله وحقنه بالمحاليل عنوة، بالمخالفة لكل القوانين والأعراف التي لا تجيز ذلك.
وتبعهم آخرون حتى جاوز عدد المضربين هذا الأسبوع ألفي أسير،
أحد هؤلاء ــ خضر عدنان ــ قال إن الأطباء داخل مستشفى السجن أبلغوه بأن كل يوم عاشه بعد اليوم الستين من إضرابه هو وزملاؤه كان يوما إضافيا إلى حياتهم. الأمر الذي يعني أن سبعة على الأقل من المضربين عن الطعام باتوا يقفون على عتبة الموت. وأن إرادة الله وحدها هي التي أبقتهم على قيد الحياة.

حين اتسع نطاق الإضراب وتناقلت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام أخباره، التي كانت في أغلبها صادمة ومستفزة، تحرك الركود الذي ران على قضيتهم على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية،
وأدرك كثيرون أن الجريمة ليست مقصورة على الممارسات الإسرائيلية ولكن الضلوع فيها يشمل الساكتين عليها أيضا.

وأخذت القضية بعدا جديدا ــ نسبيا ــ حين برزت في أجواء الذكرى الرابعة والستين لاغتصاب فلسطين وطرد أهلها في عام 1948،
من ثَمَّ فإن الصدمة لم تحدث إفاقة وانتباها فحسب ولكنها استدعت ملف الجريمة كاملة.
ذلك أن بؤس الأسرى الفلسطينيين والأوضاع الكارثية التي فرضت عليهم هو فرع عن أصل، وصفحة مسكوت عليها في سجل الاغتصاب والاحتلال.
 لذلك فقد كان تميم البرغوثي محقا حين قال إنه «في فلسطين الأسرى يحررون الطلقاء» ــ (الشروق ــ 15/5).

أمس أبرزت الصحف العربية والمصرية الاتفاق الذي تم لإنهاء الإضراب الذي نجح في تحقيق هدف تحسين أوضاع المسجونين
(إنهاء العزل الانفرادي
وتقديم لوائح الاتهام بحق المعتقلين إداريا
والموافقة على زيارات أبناء غزة
وتحسين أوضاع الأسرى).

وتحدثت الصحف المصرية عن الدور الذي قامت به المخابرات العامة في التوصل إلى ذلك الاتفاق. إلا أنني لم أستسغ تقديم محرر «الأهرام» للخبر الذي ذكر أنه تم «في إطار الدور الوطني لجهاز المخابرات العامة، وفي إطار الدعم (المصري) المتواصل للقضية الفلسطينية». الأمر الذي بدا مبالغة غير مبررة في الحديث عن جهد طيب بذلته المخابرات المصرية.
وهي مبالغة لم تختلف كثيرا عما عبرت عنه السلطة في رام الله التي ذكرت أن أبومازن كان قد حذر من «طامة كبرى» إذا أصاب أحد الأسرى المضربين أي أذى.

لا أريد أن أقلل من شأن الجهد الذي بذل للتخفيف من معاناة الأسرى، لكني أذكر بعدة أمور،
أولها أن الجميع لا يزالون في غياهب السجون.
وثانيها أن إنهاء الاحتلال هو المشكلة وليس فقط إنهاء العزل الانفرادي.
وثالثها أن الأسرى قاموا بما عليهم حيث إن إضرابهم هو الذي حرك الملف، وبقي أن يقوم الآخرون بما عليهم إزاء قضية الاحتلال.
وأذكر بأن السلطة في رام الله لا تستطيع أن تدخل على الخط وهي تنسق أمنيا مع إسرائيل وفي سجونها معتقلون من الفلسطينيين المقاومين.

كما أذكر بأن الحد الأدنى لدعم مصر للقضية الفلسطينية يتمثل في فتح معبر رفح والكف عن الاستمرار في حصار غزة
.............................

15 مايو، 2012

حديث المناظرة – المقال الأسبوعي


صحيفة الشرق القطريه الثلاثاء 24 جمادى الآخر 1433 – 15 مايو 2012
حديث المناظرة – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي

لأن حدث المناظرة بين مرشحي الرئاسة المصرية تاريخي واستثنائي بامتياز، فإنه يظل بحاجة إلى تحقيق وتدقيق فيما قيل وما لم يقل ليس فقط لكي نستوعب ونتفهم، ولكن أيضا لكي نستفيد ونتعلم.

ــ1ــ

لا أستطيع قبل أي كلام في الموضوع أن أتجاهل أمرين،
الأول أنها التجربة الأولى في التاريخ المصري، في عام ٢٠٠٧ حدثت مناظرة بين مرشحي الرئاسة في موريتانيا، التي يقف فيها اثنان من مرشحي الرئاسة أمام بعضهما البعض لكي يعرضا نفسيهما على الرأي العام.
صحيح أن تراثنا العربي حافل بمناظرات أهل العلم، ولهم في ذلك كتابات غنية، أذكر منها ما سجله الإمام أبو حامد الغزالي متعلقا بآداب المناظرة، في مؤلفه الشهير «إحياء علوم الدين». وتحدث فيه عن مناظرات الفقهاء والمقلدين من الشافعية والأحناف بوجه أخص،
وحاول أن يبدد التلبيس في تشبيه المناظرات بمشاورات الصحابة، وأن يبين آفات المناظرة وما يتولد عنها من مهلكات الأخلاق، لأنها تدفع أطرافها إلى تتبع عورات بعضهم البعض وإشهار نقائصهم بالحق أو بالباطل، التماسا للانتصار في الرأي وكسبا للجاه والرياسة الدنيوية.

لم يعرف تاريخنا مناظرات أهل السياسة. خصوصا ما تعلق منها بشأن الرئاسةربما في أغلب الأحيان لأن تقاليد الاستبداد في بلادنا أشاعت بين الناس أن الرئاسة قدر مكتوب لأناس بذواتهم، لا شأن لها باختيار الناس أو قرارهم.
ولأننا حديثو عهد بالتجربة، فإن ما يعتريها من نقائص وثغرات تصبح أمرا طبيعيا ينبغي أن نترفق به ونحتمله.

الأمر الثاني أن الذين قاموا بالتجربة من الإعلاميين والإعلاميات يستحقون التحية والتقدير، إذ أتاحوا لنا أن نعيش تلك اللحظات النادرة، التي نشاهد فيها رئيسا ــ أو مشروع رئيس ــ يؤخذ من كلامه ويرد ــ ولا يستقبل كلامه بحسبانه تنزيلا محصنا لا ينطق فيه صاحبه عن الهوى.
 وأي نقد للجهد الذي بذله أولئك الزملاء ينبغي ألا ينتقص مما قدموه، ولكنه يحاول أن يكمله ليحقق المراد من المناظرة بصورة أفضل وأوفى.

ــ2ــ

الانطباع الأول عن الأسئلة أن أغلبها جاء مثيرا للفضول بأكثر مما كان كاشفا عن السياسات ومثيرا للعقول.
أما الانطباع الثاني أنها ركزت بدرجة عالية على الشأن الداخلي، وبدت متأثرة بحالة الانكفاء التي يعاني منها الإعلام المصري خصوصا بعد الثورة.
والمسألتان بحاجة إلى بعض الشرح والإيضاح.

لقد بدت الأسئلة وكأنها ورقة امتحان مدرسي، ركزت على شخصية كل مرشح بأكثر مما ركزت على أفكاره وسياساته إزاء القضايا الكلية، ناهيك عن أنها تجاهلت بعض القضايا الحيوية في حين ألقت على المرشحين أسئلة حول الراتب الشهري والأزمة المالية والحالة الصحية والامتيازات المتوقعة، والتدخل في اختيار الوزراء وكيفية تشكيل لجنة الدستور والموقف من أحداث العباسية والتعامل مع الإضرابات الفئوية.. إلخ.

مثل هذه الأسئلة الأخيرة قد تقدم الشخص ولكنها لا تسمح لنا بأن نتعرف على أفكاره وتعامل برنامجه مع القضايا الكلية التي ترتبط بالمصالح العليا للوطن.

إن قضية الاستقلال الوطني لم تأخذ حقها في الحوار، رغم أنها تشكل جوهر السياسة الخارجية المصرية، ومعروف أن استقلال مصر منقوص على الصعيدين الإقليمي والدولي. فدورها في القرار العربي محدود للغاية.
وليس سرا أن الجامعة العربية تديرها في حقيقة الأمر دولتان هما السعودية وقطر.

كذلك فإن العلاقة بين مصر وكل من إسرائيل والولايات المتحدة، تتعامل معها مصر بحسبانها الطرف الأضعف الذي يتلقى بأكثر مما يقرر أو يبادر.
واختزال العلاقة مع إسرائيل في التساؤل عما إذا كانت عدوا استراتيجيا يعد ابتسارا واجتزاء للملف الأساسي المتمثل في استقلال الإرادة والاهتداء بالمصالح الوطنية العليا في رسم السياسات وتحديد طبيعة العلاقات الخارجية.

لم نعرف شيئا عن موقف المرشحين إزاء التجمعات الإقليمية العربية، المغاربية أو الخليجية. ولا إزاء الجارتين السودان وليبيا، ولا إزاء القضية الفلسطينية التي تحل ذكرى نكبتها اليوم (الثلاثاء 15 مايو). ولا إزاء الدولتين الكبيرتين تركيا وإيران.. (ثم التعرض لإيران في سؤال عابر).

حتى الشأن الداخلي، فإن ملفات عديدة لم يتم التطرق إليها. لم نسمع شيئا عن قضية مصيرية مثل التنمية في مصر، مرتكزاتها ومقاصدها.
لم يتطرق أحد إلى كيفية استثمار الطاقات البشرية الكبيرة في البلد وكيفية توظيفها للتأكيد على التنمية الذاتية، التي توظف خبرات البشر وإمكانات البلد المتوفرة لتكون الأساس في تحقيق النهضة المرجوة، قبل أي لجوء إلى الاستدانة والاقتراض من الخارج،
خصوصا أن انطلاقة الداخل تشكل أكبر عنصر لجذب استثمارات الخارج، وإمكاناتها بلا حدود في مجالات الزراعة والصناعة والسياحة.

لم تتعرض المناقشات ــ ولم يلق سؤال ــ حول قضية البطالة المتفاقمة، والتي يتحدث عدد غير قليل من الخبراء عن أنها وصلت في صعيد مصر إلى 50٪ من السكان، الأمر الذي يجعل من البطالة لغما داخليا شديد الانفجار. فآثارها الاجتماعية خطيرة والتداعيات التي تترتب عليها مخيفة،
 حتى وجدنا شبابا باتوا يفضلون المغامرة باحتمال الموت في البحر لكي يصلوا إلى شواطئ أوروبا، بدلا من أن يعيشوا بلا أمل في مصر.

ويظل مستغربا ألا يتطرق الحديث عن أولئك الملايين من البشر، الذين هم ثروة حقيقية إذا أحسن استثمارها، في حين اعتنت الأسئلة بمسألة كشوف العذرية (رغم أهميتها) والتعامل مع الموضوع القانوني للإخوان.

قضية البيئة الملوثة في مصر تم تجاهلها أيضا، رغم ما تمثله من أهمية بالغة بالنسبة لقضيتي التنمية والصحة العامة، ناهيك عن أنها أصبحت تحتل موقعا متقدما في تحديات العصر التي تحتشد لأجلها الدول ولا تتوقف المؤتمرات التي تعقد لمواجهتها كل حين.

ــ3ــ

تغييب مثل هذه القضايا الحيوية أضعف موضوعية الحوار، الأمر الذي لم يتح لنا أن نتعرف بشكل جاد على سياسات وبرامج المرشحين إزاءها.

من ناحية أخرى فإن الإجابات التي قدمت على الأسئلة الموجهة حققت اتفاقا حول تمثيل الجميع في لجنة وضع الدستور وحول فرض الضرائب التصاعدية والالتزام بالحد الأدنى والأعلى للأجور.
وذلك شيء طيب لا ريب، لكن الأمر لم يخل من ملاحظات سلبية أخرى، منها على سبيل المثال:

ــ أن المرشحين تبادلا الاتهامات الشخصية، إذ عمد السيد عمرو موسى إلى تخويف المشاهدين من الدكتور أبوالفتوح باعتباره إخوانيا سابقا، فما كان من الأخير إلا أن رد عليه مذكرا بانتمائه إلى نظام مبارك، الأمر الذي يصنفه ضمن الفلول.

وإطلاق هذا التراشق لم يكن في صالح عمرو موسى، لأنه حين رمى أبوالفتوح بأنه «إخوانجي» فإنه استخدم فزاعة نظام مبارك، في حين أن ذلك الاتهام لم يعد مشينا في الوقت الحاضر، إلا أن تصنيف عمرو موسى ضمن الفلول مما يشينه ويسيء إليه بعد الثورة.

وفي كل الأحوال فقد بدا عمرو موسي هاربا من ماضيه ومنكرا له،
أما أبوالفتوح فقد بدا معتزا بماضيه الذي اعتبره رصيدا له في انخراطه مع الثورة.

ــ حاول عمرو موسى وهو يخوف من إسلامية أبوالفتوح أن يكرس إقصاء التيار الإسلامي،
في حين أن أبوالفتوح حرص على إقامة المصالحة بين التوجه الإسلامي والديمقراطية.
من ثَمَّ فإن الأول قدم نفسه باعتباره رئيسا لبعض المصريين،
في حين أن الثاني أراد أن يقنعنا بأنه رئيس لكل المصريين.

ــ حين سئل الاثنان عن مبرر انتخاب كل منهما، قال موسى إنه تبوأ مناصب عدة وخبراته كثيرة، وأن مصر في أزمة الآن وبحاجة إلى رجل دولة (مثله) فاهم للعالم ومدرك للظروف المحيطة، ولم يحدثنا عن السياسة التي سيتبعها في تعامله في ذلك العالم الخارجي،
أما أبوالفتوح فقد اعتبر نفسه رمزا لاصطفاف الجماعة الوطنية، حيث يشترك في تأييده الليبراليون واليساريون والإسلاميون.
فبدا من الإجابتين أن الأول يصوب نظره نحو الدولة والثاني يصوبه نحو المجتمع.

ــ استلفت نظر كثيرين نفور عمرو موسى من الأغلبية التي صوتت لصالح التعديلات الدستورية، وحين اعتبر أن الذين قالوا «لا» هم الثوار الحقيقيون ــ وهو منهم ــ في إشارة إلى أن الـ77٪ الذين أيدوا التعديلات يقعون في مربع الثورة المضادة. وبدا ذلك تجريحا من جانبه للأغلبية التي يطلب تأييدها!

ــ قال موسى إن مصر دولة فقيرة وأن المطالب الفئوية التي تكاثرت بعد الثورة لا تختلف كثيرا عن الذين يحاولون حلب بقرة نضب لبنها. وتلك قراءة لا تعول كثيرا على التنمية الداخلية كما تهون كثيرا من شأن غنى البلد بثروته البشرية وموارده الاقتصادية.
وهذه الرؤية لا ترى حلا لمشكلة التنمية في مصر سوى الاعتماد على الاستثمار الأجنبي والقروض الخارجية.

ــ كان الاختلاف واضحا بين المرشحين حول الموقف إزاء الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل،
فأبوالفتوح رفض الاستجابة لأي تأثيرات خارجية على سياسة مصر الخارجية، واعتبر إسرائيل عدوا يهدد الأمن القومي المصري.
أما موسى فأكد أن سياسته لن تغضب الولايات المتحدة، وأن إسرائيل خصم لا يحبه المصريون. وكرر مرتين أنها ليست عدوا،
فبدا الأول تعبيرا عن منطق وموقف الثورة المصرية،
أما الثاني فقد بدا ملتزما بخطوط السياسة التي التزم بها نظام مبارك.

ــ4ــ

كان عمرو موسى أكثر عدوانية وتوترا، في حين بدا أبوالفتوح أكثر هدوءا وتماسكا.
ومع ذلك خرج المرشحان متعادلين تقريبا رغم الهنات هنا وهناك، بحيث يتعذر القول بأن أحدهما اكتسح الآخر.

وهذا ما شهدت به وكالات الأنباء الأجنبية التي تابعت المناظرة، إلا أن الاستقطاب كان واضحا في بعض معالجات الصحف المصرية.
فقرأنا في أوساط العلمانيين تهليلا لصالح عمرو موسى وحفاوة بالغة بما قاله وهجوما مقذعا على «أبوالفتوح» استند إلى جذوره الإخوانية.
وذهب أحد الكاتبين في هجائه لأبوالفتوح إلى القول بأن موسى وجه إليه ضربة قاضية وأخرجه من سباق الرئاسة في أول جولة للحوار.

لم يخل الأمر من هجاء لموسى، استعاد موقفه في مؤتمر دافوس حين انسحب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من المنصة احتجاجا على منعه من الرد على تجاوزات وأغاليط شمعون بيريز رئيس إسرائيل،
لكن عمرو موسى الذي كان جالسا بالقرب منه تردد في التحرك ثم بقى في مقعده بعد إشارة من الأمين العام للأمم المتحدة.

وغمز آخرون في مكافأة نهاية الخدمة التي منحت له عند مغادرته منصبه في الجامعة العربية، والتي طلب المندوب السعودي زيادتها إلى 5 ملايين دولار في اجتماع مجلس الجامعة، وهو مبلغ لم يكافأ به أي أمين عام آخر في تاريخ الجامعة العربية، حيث كانت القاعدة أن يكافأ بمبالغ في حدود نصف مليون دولار فقط.

هذه الأصداء كانت من تداعيات تركيز التراشق والحوار حول الأشخاص. ولم تكن بعيدة عنها إشارة جريدة «الشروق» في عدد السبت 12/5 إلى أنه خلال فترة الاستراحة التي تخللت المناظرة فإن موسى طلب فنجانا من القهوة الأمريكية، أما أبوالفتوح فقد اكتفى بفنجان من القهوة التركية، الأمر الذي تصيده بعض الخبثاء واعتبروه إشارة لها دلالتها السياسية.

مرحبا بالتراشق المهذب بين المرشحين للرئاسة، وبشقاوة وتخابث المتابعين، طالما أننا نتقدم على طريق تأسيس معنى الديمقراطية بديلا عن مصر مبارك
.................


<web counter code

frontpage hit counter